نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حقق ملايين المشاهدات.. محمد العسيري: فيلم «الريس حفني» استغرق 3 سنوات و«شفيقة ومتولي» قصة سياسية بامتياز - بوابة فكرة وي, اليوم الجمعة 29 نوفمبر 2024 09:07 مساءً
حقق فيلم «الريس حفني»، على قناة «الوثائقية»، ملايين المشاهدات بعد ساعات من عرضه، ما يعكس اهتمام المصريين بتراثهم الثقافي، وقدرة العمل على توثيق شخصية أثرت في مجتمعها.
«عبدالناصر» غيّر مسار حياته
يروي الفيلم قصة حفني أحمد حسن، ابن مركز البلينا بسوهاج، الذي بدأ بالغناء في الأفراح وانتقل للإسكندرية للعمل في المعمار، مستخدماً الغناء لتخفيف مشقة العمل.
فترة عمله في مجال المعمار كانت جزءاً أساسياً من مسيرته وأمضى نحو 6 أو 7 سنوات في الإسكندرية
قادته الصدفة للقاء حافظ عبدالوهاب، رئيس إذاعة الإسكندرية، الذي أعجب بموهبته وساعده في الوصول للإذاعة المصرية، قبل لقائه بالرئيس جمال عبدالناصر، الذي مثل نقطة انطلاق مسيرته الفنية المبهرة.
سيرة ملهمة وثقها فريق عمل قناة «الوثائقية»، في فيلم يحمل اسم «الريس حفني»، وفي هذا الإطار، تحاور «الوطن» الكاتب الصحفي والشاعر محمد العسيري، الذي تولى إعداد المحتوى وكتابة السيناريو، ليحقق تناغماً مع عناصر العملية الإنتاجية، ويظهر الفيلم بالشكل الذى نال إعجاب الملايين.
أنصف سوهاج بأغنيته الشهيرة.. «كل البلاد فيها شفيقة لكن مش كلها عندها متولي»
في البداية، ما سر شغفك بالغناء الشعبي؟
- نشأت في سوهاج وسط تأثير التراث الشعبي والسيرة الهلالية، حيث كان السماع الشفهى الوسيلة الترفيهية الأبرز في الأفراح وجلسات الحكي، ورغم حضور أسماء مثل حفني أحمد حسن وجابر أبوحسين، كنت أميل في البداية إلى نجوم الغناء مثل محمد رشدى ومحرم فؤاد، قبل أن أتأثر لاحقاً بعلى الحجار ومحمد منير.
في الثانوية، عشت مع عشرين زميلاً في شقة صغيرة بالمدينة، وكانت الشرائط الموسيقية وجهاز كاسيت حديث، جلبه أحدهم من ليبيا، وسائل الترفيه الأساسية، قضينا الوقت بين إعداد الطعام، قراءة الكتب، والاستماع للموسيقى، أما الحياة اليومية في سوهاج، فكانت تتنوع بين كرة القدم، نادي الأدب، وزيارات أسبوعية للسينما، التى امتلكت ثلاث دور عرض، واحدة للأفلام الجديدة والبقية تجارية، بقية الأيام كانت تُقضى في المنزل بين الطهي، لعب الكوتشينة، والاستماع للكاسيت.
لماذا أصبحت شغوفاً بأغنيات ومواويل الريس حفني؟
- في يوم عاد زميل من نجع حمادي بشرائط موسيقية، وشغل موال «شفيقة ومتولي» لأول مرة، أثار الموال جدلاً بيننا، خاصة مع اعتراض زميل من جرجا اعتبره إهانة لمدينته، ليعلق أحدهم بجملة شهيرة: «كل البلاد فيها شفيقة، لكن مش كل البلاد فيها متولى»، وهي عبارة بقيت عالقة بذهني كإجابة جاهزة لأي سوهاجى يواجه هذا الموقف، دفعني ذلك للتساؤل: لماذا التركيز على شفيقة رغم شيوع قصص الشرف؟ قادني الفضول إلى التعرف على حفني أحمد حسن، واكتشفت من الشاعر جمال بخيت أن فؤاد حداد أشاد بإنشاده بعد سماعه في السجن عبر الراديو، حيث كانت أعماله تُذاع يومياً.
هذه القصة أثارت شغفي بمشروع بحثي أكبر عن حفني وأمثاله، لتتضح لي أهمية اختيارات أعماله ودورها الثقافي، خاصة في ظروف استثنائية كسجن الواحات.
الكاتب الصحفي: نجم الأغنية الشعبية كتب جميع أعماله.. ورفض الغناء لأي شاعر آخر.. وتمسك بارتجاله اللحظى وأسلوبه الخاص
ما سبب خلافه مع زكريا الحجاوي؟
- حفني أحمد حسن كتب جميع أغانيه بنفسه، رافضاً الغناء لأي شاعر آخر، وهو ما تسبب في خلافه مع زكريا الحجاوي في أثناء جمع الأخير للتراث الشعبي وتأسيس فرقة «الفلاحين»، حاول «الحجاوي» تعديل الأغاني، لكن حفني، كشاعر أصيل، تمسك بارتجاله اللحظي وأسلوبه الخاص في كتابة أغانيه.
تميز «حفني» بالارتجال، وهي صفة بارزة دفعتني لتوثيق الغناء المصري في كتابي، حيث خصصت فصلاً لأصوات الغناء الشعبي، وكان حفني محوراً أساسياً، لاحقاً، اكتشفت معلومات مغلوطة عنه، مثل زعمه أنه من أسيوط أو قنا، ما قادني لمزيد من البحث لتصحيح الحقائق حول أصله وقصته.
الشركة المتحدة تهتم بتراث مصر ولديها إرادة فولاذية وقوة بشرية هائلة
من أين جاءت فكرة فيلم «الريس حفني»؟
- كنت أتحدث مع الزميل شريف سعيد، رئيس قطاع الإنتاج الوثائقى في الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، حول أهمية مصر كدولة عظيمة، وأهمية تراثها الشعبي في أثناء تعاوننا لإنتاج فيلم عن أغنية «نصر أكتوبر»، وفي إحدى اللحظات أخبرنى «شريف» أنه بدأ مشروعاً لإنتاج فيلم عن الشيخ أحمد برين، كنت سعيداً جداً بذلك، ثم طلب مني أن نتعاون في عمل آخر، وأخبرته أنه سيكون أمراً رائعاً إذا عملنا معاً فيه، واقترحت عليه عدداً من الأسماء التى يمكننا توثيقها من خلال الفيلم الوثائقي، وكان من بينها اسم «حفني»، وهو الشخص الذى قررنا أن نعمل عنه الفيلم.
في القناة الوثائقية أجرينا بحثاً موسعاً على الإنترنت، واكتشفنا أن الشباب يستخدمون بشكل كبير مقاطع من أغاني «حفني» في الريلز على منصات التواصل الاجتماعى، وهذا كان دليلاً على أننا على الطريق الصحيح، وأعتقد أن هذا يشير إلى رغبة الشباب في التعرف على مصادر هويتهم، وهو هدف رئيسى كانت تسعى الشركة المتحدة لتحقيقه عند إطلاق القناة الوثائقية.
متى بدأت رحلة البحث عن «حفني»؟
- البحث عن الريس حفني كان تحدياً كبيراً بسبب ندرة الأرشيف المتعلق به، ما دفعنى لاستحداث المعلومات أثناء إعداد الفيلم، وهو ما استغرق ثلاث سنوات من البحث المتقطع. بدأت بـ65% فقط من المعلومات، وأكملتها خلال العمل، مع توسيع الاهتمام ليشمل فنانين وشعراء شعبيين آخرين، مثل المطرب المجهول محمد القناوى، الذى اكتشفت موهبته رغم قلة المعلومات عنه. أثناء تصوير الفيلم، صادفنا رجلاً كان والده من علّم «حفني» الغناء، فوثقنا شهادته، وكانت إضافة مؤثرة للسرد، كل اكتشاف جديد، سواء شهادات من أهل قريته أو لحظات عفوية، أضاف قيمة كبيرة للفيلم، ما جعل العمل عليه تجربة ممتعة وثرية.
الشعر الذى كان يقدمه «الريس حفني».. كيف يمكن تصنيفه؟
- هو ليس موالاً، بمعنى أنه ليس من النوع التقليدى من المواويل، هو نوع من الشعر الشعبي الذى يُسمى «متلوت»، هناك الكثير من الشعراء الذين يكتبون بهذا الأسلوب، وهو يتكون عادة من ثلاثة أشطر بقافية واحدة، ويعتمد على الجناس التام، وهذا يعتبر أمراً صعباً للغاية، ومن الشعراء المشهورين الذين قاموا بهذا النوع من الشعر سيد حجاب، وهكذا هذه اللعبة تعتمد على المدلول والتجنيس والجناس وتتطلب مهارات خاصة جداً، إذ إنها تتضمن نوعاً من الهندسة الصوتية، وهذا نوع الشعر الذى كان يقدمه الريس حفني.
الناس في القرية.. حدثوك عن الأغاني التي كان يؤديها الريس حفني ولم تُسجل؟
- نعم، هناك شباب تحدثوا عن هذه الأغاني، وقابلت أحد هؤلاء، وأخبرني بأن الريس حفني غنى الكثير من الأغنيات التي يرددونها، ولم تسجل سواء في الإذاعة أو الأسطوانات، لكنها محفورة في ذاكرة الأجيال.
أكانوا يحفظونها من الأجيال السابقة؟
- في الواقع، كانوا يحفظونها من أجدادهم، لأنه كما تعلم الريس حفني لم يقم في البلينا لفترة طويلة، فقد قضى فيها نحو 15 أو 16 عاماً فقط، ثم انتقل للعيش في الإسكندرية، لكن بعد ذلك كان يعود لزيارة القرية بين الحين والآخر، خاصة في المناسبات مثل «مولد الأربعاء»، فكان يذهب هناك لإحياء ليلة تذكارية تكريماً لأهل قريته.
أيحدث بشكل تطوعى دون مقابل مادي؟
- نعم، كان يقضي يومين أو ثلاثة في تلك الزيارة، وفي بعض الأحيان كان يذهب لزيارة أقاربه أيضاً، وكان أهل القرية يستمعون له في تلك المناسبات، وتناقلوا أغانيه بينهم، بينما الأجيال التى سمعت منه تلك الأغاني ما زالت تذكرها، لكن هذا لا يعنى أن كل الأغانى التى عرفوها كان قد غناها الريس حفني، لأنه بطبيعته يرتجل ويبتكر أغانى جديدة بشكل دائم، وهذا هو ما جعل بعض الأغانى تصبح متداولة في القرية.
ما علاقة الريس حفني بثورة يوليو؟
صوته جسّد ثورة 1952 وعبّر عن تحدياتها مثل خضر بخاتى والمطرب الشهير محمد قنديل
- بعد ثورة يوليو، جاء الإصلاح الزراعي كأول قراراتها، ما استدعى أصواتاً تمثل الثورة وتعبر عن تحدياتها، مثل خضر بخاتي ومحمد قنديل، لكن المقاومة لتنفيذ القانون جعلت الحاجة أكبر إلى أصوات قريبة من الناس، فبرز عبدالحليم حافظ للتواصل مع الشباب، ومحمد رشدي كجسر للتوجه الشعبي.
حظى بشعبية واسعة في أفراح منطقة «مينا البصل» التي جمعت سكاناً من «قبلى وبحرى»
في الإسكندرية، لعب حفني دوراً بارزا، حيث حظى بشعبية واسعة في أفراح مناطق مثل «مينا البصل»، التي جمعت سكاناً من الصعيد والوجه البحري، هذا التنوع الثقافي، الناتج عن هجرة الريفيين للعمل في المصانع والتجارة، جعل الإسكندرية بيئة خصبة لتطور الفن الشعبي، خاصة مع تأثير ثقافات متعددة وأغانى ما بعد الحرب العالمية الثانية.
أغنيته «الغربة طالت عليّا» وصلت إلى جمال عبدالناصر عبر الجنود في حرب الفالوجا فتركت أثراً عميقاً في الزعيم
كيف أهدته الإسكندرية «النجومية»؟
- الإسكندرية، بتنوعها الثقافي، فتحت الأبواب أمام حفني للوصول إلى جمهور واسع، جاءت فرصته الكبيرة عندما وصلت أغنيته «الغربة طالت عليّا» إلى جمال عبدالناصر عبر الجنود في حرب الفالوجا، فتركت أثراً عميقاً في الزعيم.
استُدعى «حفني» من أحد الأفراح عبر سيارة شرطة دون علمه بالسبب، ليجد نفسه وجهاً لوجه مع «عبدالناصر»، الذي قال له: «أنت الوحيد الذى أبكيتني، وأريدك أن تسجل كل أغانيك».
هذا اللقاء كان نقطة تحول كبرى في مسيرته الفنية، ورسّخ علاقة حب عميقة بينه وبين الزعيم، استفاد منها «حفني» في ظل مشروع الثورة لدعم الفنون.
أيمكننا القول إن «الريس حفني» كان ابن الأحداث الكبرى؟
- بالطبع، فهو وُلد في عام 1917، في وقت كانت فيه مصر تشهد أحداثاً عظيمة مثل ثورة 1919، ثم في عام 1935، انتقل إلى الإسكندرية، وفي عام 1936 شهدت مصر تحولاً سياسياً كبيراً، تلاه ثورة 1952، ثم استمرت تأثيراته حتى فترة ما بعد 1967 و1973.
في 1956 تعرضت مصر للعدوان الثلاثى، وكان من الطبيعى أن يكون أى شخص حر ومخلص لوطنه في صفوف المقاومة، حفني لم يكن مجرد مغنٍ في الأفراح، بل كان أيضاً من الذين غنوا في جبهات القتال، لأنه كان يؤمن بضرورة الدفاع عن بلاده، كان دائماً يكتب وينظم الأغانى الوطنية، وأبدع في هذه الفترة بعدد من الأغانى الرائعة التى حملت رسائل وطنية عميقة، مثل «بطل العروبة يا جمال»، وغيرها من الأغانى التى كانت تلهب الحماس وتدعو للدفاع عن الوطن.
وفي الحقيقة، كانت تلك الفترة من أزهى العصور بالنسبة للموسيقى والغناء المصرى، من 1956 حتى 1967، ثم حرب الاستنزاف حتى عام 1973، كانت من أكثر الفترات خصوبة في الإنتاج الغنائى المصرى على جميع الأصعدة، هذا التنوع في الإنتاج الغنائى لم يكن مقتصراً على حفني فقط، بل كان موجوداً أيضاً عند كمال الطويل، وصلاح جاهين، وماهر العطار، وشريفة فاضل، وغيرهم، وهنا يكمن الفارق الكبير بين حفني وغيره من المطربين الشعبيين في تلك الفترة.
هل المعمار كان بوابة عبوره للجماهيرية؟
- فترة عمله في مجال المعمار كانت جزءاً أساسياً من مسيرته، فقد أمضى نحو 6 أو 7 سنوات في الإسكندرية، لم يكن يذهب إلى هناك للغناء فقط، وفي إحدى المرات مر حافظ عبدالوهاب، الذي كان رئيساً لإذاعة الإسكندرية بسيارته، وسمع حفني يغنى مع عمال البناء، حينها توقف وسأل: «من الذى يغني؟ ولحن من هذا؟» فأجابه حفني: «أنا من ألف اللحن»، وعلى الفور، دعاه للعمل معه في الإذاعة، ومع مرور الوقت، أصبحت الإسكندرية تحتفظ بكم هائل من أغاني حفني التي سجلها في المدينة، وأتمنى أن تُكتشف هذه الأغاني المفقودة قريباً.
ما التحولات الكبرى في مسيرة حفني؟
- أغنية «شفيقة ومتولى» شكلت تحولاً كبيراً في مسيرة «حفني»، إذ استلهمها من قصة حقيقية تعود لعام 1927، وقدمها بأسلوب شعبي حقق انتشاراً واسعاً، رغم تناولها فنياً من آخرين قبله وبعده.
«حفني» تميز بجمع التفاصيل بدقة لإعادة صياغة القصة، ما جعل أغنيته تُلهم أعمالاً درامية لاحقة في التليفزيون والسينما والمسرح، فضلاً عن حملها رسائل قوية من السلطة آنذاك، أبرزها تأكيد وجود نظام جديد قادر على التأثير في الصعيد الذي طالما كان بعيداً عن المركز.
كما عبرت عن انتصار الفقير على الظلم، وهي رسالة تزامنت مع الحاجة إلى استعادة الكرامة العربية بعد مأزق عام 1948.
ماذا عن «شفيقة ومتولي»؟
- في عام 1959، كان هناك حدث مهم للغاية تمحور حول حادثة شفيقة ومتولي، في هذا السياق أود أن أوضح أن في ذلك الوقت كانت الحادثة أثارت الكثير من الجدل، لكننى أؤكد لكم أنه كان من الواضح أن بعض التفاصيل المتعلقة بها كانت ملفقة إلى حد كبير، الحادثة التي وقعت في جرجا، على سبيل المثال، لم تكن مجرد حادثة عابرة، بل كانت ترتبط بمواقف سياسية وشعبية مهمة، وتداخلت معها معانٍ اجتماعية وثقافية معقدة.
ما الرواية الحقيقية لقصة شفيقة ومتولى؟
- بالنسبة لحكاية شفيقة ومتولى، أود أن أوضح أن اسمها الحقيقى لم يكن شفيقة بل كان بخيتة، وهو ما يتطلب أن نكون دقيقين في نقل التاريخ كما هو، الحكاية في جوهرها كانت تدور حول فتاة تزوجت رجلاً أكبر منها سناً، لكنه أساء معاملتها، ما أدى إلى إصابتها بمرض عصبي جعلها تهجر المنزل، وهذا ليس مجرد سرد بسيط، بل هو انعكاس لمشاعر العذاب والألم التي مرّت بها تلك الفتاة في تلك الفترة.
ما الهدف من تقديم «الريس حفني»؟
- لقد كان لدينا في هذا الفيلم محاولة لتقديم التراث الشعبي، لكن ليس من منظور تقليدي، هدفنا أن نعود إلى جذورنا الثقافية والاجتماعية، تلك الجذور التى نجدها في عاداتنا، وطقوسنا، وفي علمائنا، وفي كل ما يتعلق بالتراث الجغرافي والفنى لهذا الوطن.
هل يمكن إعادة إحياء التراث؟
- بالطبع، نحن نعيش في زمن يتسم بتغيرات سريعة، ونجحت بعض التجارب مثل تجربة محمد محيى، الذى قدم أغانيه بصيغتين مختلفتين، واحدة كلاسيكية وأخرى ريمكس، وهذه التجربة كانت ناجحة، لأن محيى استطاع أن يمزج بين القديم والحديث بما يتماشى مع الذائقة العصرية.
وهناك من يرى أن الفنانين مثل بليغ حمدى، عندما كانوا يأخذون تيمة معينة من التراث، ويشتغلون عليها كانوا يقدمون شيئاً مختلفاً، كما فعل بليغ عندما استخدم تيمة في أغنية «على حسب وداد قلبى»، وهى نفس التيمة التى استخدمها على إسماعيل في مقدمة فيلم «غرام في الكرنك»، هذا النوع من التعامل مع التيمات يمكن أن ينجح إذا كان يتم بحرفية، ويؤكد أن التراث يمكن أن يكون جزءاً حيوياً من العمل الفنى.
تردد أن نكسة 1967 سبب اختفاء «حفني» عن الأنظار.. أهذا صحيح؟
- إذا تحدثنا عن التأثيرات التى وقعت بعد نكسة 1967 على الفنانين مثل الريس حفني، فأنا لا أرى أنها كانت السبب الوحيد في اختفائه، بالطبع، كان هناك تأثيرات اجتماعية وفنية أخرى، لكن الحقيقة حفني كان له مسار فنى خاص، واستمر في الإبداع رغم التحديات التى واجهها.
بالنسبة لـ«حفني» كان من الطبيعى أن يكون الاختفاء هو الأقرب كما قال شادى مؤنس، يمر الفنان بفترات توهج، وبعدها يأتي الانحدار، لكن في تلك اللحظة، تحديداً في عام 68، بدأ الغناء الشعبي في مصر يأخذ مساراً مختلفاً، إذ ظهرت أغان مثل «العتبة قزاز»، وتوافق هذا مع ظهور فنانين وشعراء مثل أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام، فضلاً عن ظهور شخصيات أخرى مثل عايدة الشاعر وليلى نظمى.
بعد ثورة يوليو بدأ الغناء الشعبي يتحول إلى طابع يركز على العمال والفلاحين، مع بداية الأحداث الكبرى مثل حرب الاستنزاف، تغيرت دلالات الأغانى لتصبح أكثر ارتباطاً بالمقاومة.
لماذا انتشر موال شفيقة ومتولى أكثر من «ليه نظلم شفيقة»؟
- هذا النوع من الغناء بدأ في الانطفاء، ومع ظهور أحمد عدوية في السبعينات، بدأ الجيل الجديد يتوجه نحو نوع آخر من الطرب الشعبي، ومع بداية عهد السادات، اختفي الاهتمام بالفن الشعبي بشكل عام، ولم يعد له مكان بارز في الساحة الثقافية المصرية، حتى لو كانت الأغنية تحمل نفس مستوى الجودة إلا أن الذائقة الشعبية تغيرت، فـ«حفني» كان نجماً في عالم الأسطوانات، بينما هناك فنانون آخرون من جيل مختلف يشتهرون في أوساط أخرى.
لماذا لم يكن للصوت النسائى نصيب في فيلم الريس حفني؟
- سؤال منطقى، لكن الأغانى التى قدمها حفني لم تشمل العديد من العناصر النسائية، ومع ذلك، هناك أغنية «روح الفؤاد»، التى قد تكون نسائية، لكنها في سياق الأغانى الرجولية التى ارتبطت به، وهذا أيضاً كان متعلقاً بحياته الشخصية، إذ حاولنا تجنب الخوض في تفاصيل العلاقات الشخصية والزواج والطلاق، احتراماً لعائلته.
إذن نحن نتحدث عن تراث فني لا يتعلق فقط بالحياة الشخصية؟
- بالضبط، الفن يجب أن يُنظر إليه من زاوية أكبر، عندما قدم حفني أغانيه كان هدفه الأساسى هو التعبير عن قضايا المجتمع من خلال وجهة نظره الشخصية، وبالتأكيد يمكن لأى شخص آخر أن يراه بشكل مختلف، مثلما كان الحال في مسار حياته الشخصية التى انتقلت من التراث الشعبي إلى الشهرة الكبرى.
فريق عمل الفيلم من أفضل الكوادر
كيف ساعد فريق عمل الوثائقية في خروج الفيلم بهذا الشكل الاحترافي؟
- مجموعات العمل الفنى في فيلم «الريس حفني» من أفضل الكوادر في العالم العربى، وأخص بالذكر مخرج الفيلم الزميل خالد النساج، والمنتج الفنى أحمد العربى، ومديرى التصوير بيشوى وعلاء وأندرو، والمونتير أحمد البرلسى، لو لم يكن لديهم هذه الخبرة لما ظهرت الصورة بهذه الجودة، وكذلك رئيس القناة الوثائقية والشركة المتحدة قدموا دعماً كبيراً بتوفير الإمكانات اللازمة للتصوير.
هل تأخرت مصر في توثيق تاريخها؟
- لو كان لدينا قناة وثائقية في السبعينات، لكان الوضع مختلفاً، فقد كان لدينا أبطال حرب أكتوبر وقادة عظام على قيد الحياة، لكننا افتقدنا الكثير من التوثيق في تلك الفترة، فنحن الآن نحاول توثيق ما فاتنا، من أبطال وأحداث فارقة في تاريخنا.
مصر غنية بتقاليدها وثقافتها، ولديها كنوز يجب توثيقها قبل أن تندثر، مثل الأزياء المصرية، المهن، والحرف، تحتاج إلى توثيق قبل أن تتغير تماماً، ويجب أن نتذكر أن ما نملك هنا في مصر هو الأكثر أصالة وواقعية، على عكس ما يقدمه العالم في السينما العالمية من شخصيات مختلقة.
مصر لديها دائماً البطل الحقيقى، ومن الضرورى أن نوثق هذا البطل في أعمالنا السينمائية، فاليوم عندما يغنى الشباب أغنية «أبويا وصانى» من عام 1936، تجد أنهم يعبرون عنها بنفس الحماس، كما لو كانت أغنيتهم الخاصة، وهذا يؤكد أن التراث المصرى لا يزال حياً في قلوبهم. حتى الحفلات الموسيقية التى تمزج بين الأصالة والحداثة، مثل حفل المومياوات، تسهم في تنشيط الذاكرة الثقافية للأجيال الجديدة، وهذا ما يثير اهتمامهم بالبحث عن أصول هذه الفنون.
ورغم أن إمكاناتنا لا تضاهى هوليوود فإن لدينا المبدعين الذين لا يمكن مقارنتهم، عندما تكون لديك الكوادر البشرية الجيدة والإرادة يمكنك تحقيق الكثير، فاليوم لدينا المعدات الحديثة، مثل الكاميرات المتطورة التى وفرتها الشركة المتحدة، لكن الأهم من ذلك العنصر البشرى الذى كان دائماً موجوداً، لكن لم يُستغل بالشكل الصحيح في الماضى، حيث كانت هناك برامج أخرجت الكثير من الوثائق المهمة باستخدام الإمكانات المتاحة في ذلك الوقت، واليوم ومع تزايد التكنولوجيا نحتاج إلى استثمارها بشكل أفضل في توثيق الأحداث التى تشكل هويتنا.
ماذا عن مغامرة العمل في الصعيد؟
- خلال تصوير الفيلم في سوهاج واجهنا مشقة التنقل لساعات طويلة عبر القطار والطرق الوعرة، لكن حفاوة استقبال أهالى البلينا بددت كل التعب، لمسنا عشقهم العميق للفن ورغبتهم الصادقة في توثيق حياتهم وقصصهم.
أهل البلينا قالوا لنا: «ما تطولش الغيبة علينا»، ما عكس ارتباطهم العاطفي بالمشروع، وساهموا بصدق في إنجاحه، شارك أيضاً فنانون مثل محمد محيى والموسيقار شادى مؤنس بروح من الحب والتفانى، ليخرج الفيلم معبراً عن انتماء جماعى وحب عميق للوطن.
ماذا عن ردود الفعل على «الريس حفني»؟
- الفنانة لطيفة، وهى تونسية الأصل ومقيمة في مصر، سمعت الكثير من الأنواع الموسيقية خلال مسيرتها، فقد تعاونت مع كبار الفنانين مثل زياد الرحبانى وكاظم الساهر وبليغ حمدى، وعندما سمعت 23 ثانية من برومو «الريس حفني»، بدأت بالفعل في البحث عن اسم الأغنية عبر الإنترنت، بل وتواصلت مع أصدقائها للحصول على الأغنية الكاملة، هذا يدل على اهتمامها الكبير بالفن.
بعد عرض الفيلم، حظيت بتفاعل إيجابى واسع، خاصة من الفنانين، حيث عبّر محمد ثروت عن إعجابه الشديد بالفيلم خلال مكالمة مطولة، وأبدى إيهاب توفيق سعادته بالعمل ككل، فيما نال الفيلم استحسان الفنان محمد منير، وعدد كبير من الفنانين والجمهور، ورغم وجود بعض الملاحظات البسيطة فإنها لم تمس جوهر العمل، وهو أمر طبيعى ومتوقع في أى مشروع وثائقى
صناعة الأفلام الوثائقية
صناعة مكلفة وتتطلب إيماناً ورؤية واضحة، بالإضافة إلى الجرأة، فالأمر ليس سهلاً كما يعتقد البعض، فبدلاً من التصوير في استوديو مغلق، نحن كنا نعمل في مواقع حية وواقعية، وهذا يحتاج إلى جهد كبير وتكلفة.
من المعروف أن عملك في هذا المجال ليس مضموناً من ناحية العائد المالى، لكن الرسالة التى نقدمها هى ما تدفعنا للاستمرار، وإذا لم تكن هناك إرادة ورؤية حقيقية لما تمكنا من إنتاج هذا الفيلم، وعلى الرغم من تأخر ظهور القناة الوثائقية فإن وجودها اليوم خطوة عظيمة، كما قال الفنان محمد ثروت، لو كنت مكان «الريس حفني»، لتمنيت أن أرى هذا الفيلم وأنا على قيد الحياة.
0 تعليق