سمير عطية الله*
أطلق مركز دبي المالي العالمي في فبراير برنامج «استدامة نجاح الشركات العائلية» بالتعاون مع «كلية سلون للإدارة» التابعة ل«معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا» (MIT Sloan Executive Education)، بهدف توفير التعليم الأكاديمي العالي للشركات العائلية، ودعم استمرارية نجاحها عبر الأجيال. ويأتي هذا التعاون عقب سلسلة مبادرات وتشريعات إقليمية أخرى تهدف إلى تعزيز التعاقب السلس للثروة. كما أطلق مركز دبي المالي العالمي «مركز الثروات العائلية» وأصدر في أوائل عام 2023 لائحة تنظيم شؤون العائلة تهدف إلى تعزيز رعاية الإرث الدائم للعائلات، وضمان استمراريتها عبر الأجيال المتعاقبة داخل الدولة وفي الخارج.
إن تحقيق التعاقب السلس للثروة بين الأجيال من الأهداف الاستراتيجية الشاملة في المنطقة. وقد كشف أحدث تقرير لمؤسسة «كيدبروك» لتحليل بيانات الثروات، أن أثرياء منطقة الشرق الأوسط سوف ينقلون ما مجموعه 3.67 تريليون درهم (تريليون دولار أمريكي) إلى الجيل التالي خلال العقد المقبل. وتشكل الثروات والشركات العائلية قوة حافزة للتطوير والنمو الاقتصادي في الشرق الأوسط، لذا تبرز أهمية تعزيز استمراريتها، وتحقيق نجاحها كركن حيوي للاقتصاد الإقليمي.
ومع ذلك، تواجه العديد من العائلات في الشرق الأوسط تحديات كبيرة في تحقيق الانتقال السلس للثروة من الجيل الأول إلى الجيل الثاني. وتتمثل معظم هذه التحديات في سلسلة من القضايا الاجتماعية والقانونية التي تؤثر في المرحلة الانتقالية في ظل تطور المعايير الاجتماعية وتقلبات الاقتصاد، ومتطلبات الامتثال للقوانين الشرعية وغير الشرعية، إضافة إلى القوانين الدولية المتعلقة بالوراثة والضرائب.
كما أن العلاقات العائلية الشخصية والمشاعر الحساسة لها تأثير كبير في عملية التعاقب. فهي عملية معقدة وتحمل العديد من التحديات.
وتُعد الحوكمة الواضحة عنصراً أساسياً في إدارة التعقيدات التي تنطوي عليها عملية التعاقب، حيث تساعد على تقليل مخاطر النزاعات القانونية. وفي هذا السياق، أطلق مركز دبي للشركات العائلية «نموذجاً إرشادياً لميثاق العائلة»، بهدف إرشاد العائلات في كيفية إنشاء أطر حوكمة قوية وإدارة الثروات العائلية. وتعمل هذه النماذج كوثائق تحدد قيم العائلة ورؤيتها والقواعد التي تنظم إدارة ممتلكاتها وأعمالها، ويمكن أن تتضمن إرشادات لاتخاذ القرارات وحل النزاعات وتحديد الأدوار والمسؤوليات.
كما تُعد مجالس العائلات أيضاً منصة فعّالة لتعزيز التعاون، حيث توفر فرصة منتظمة لأعضاء العائلة لمناقشة وحل قضايا الشركات أو الممتلكات العائلية.
وتضمن هذه الحوكمة أن يكون «بيت العائلة» منظماً وموجهاً نحو الاستدامة الطويلة الأجل، ما يُعد أمراً حيوياً في عملية نقل الثروة والمساهمة في تحقيق التعاقب السلس للممتلكات العائلية.
ووفقاً لتقرير الثروة العالمية لعام 2024 الصادر عن «كابجيميني»، حققت المكاتب العائلية معدل نمو بنسبة 200% خلال العقد الماضي، إذ يسعى شخص من كل شخصين (52%) من الأفراد ذوي الملاءة المالية الطائلة إلى إنشاء مكتب عائلي. وتُعد المكاتب العائلية بمثابة أدوات قوية للعائلات الثرية، حيث توفر منصة مركزية لإدارة الأموال العائلية بطريقة رسمية واحترافية، تشمل الاستثمارات والعقارات والسجلات والعمل الخيري ونقل الثروة، مع مراعاة الرؤى والقيم العائلية.
ويعد التخطيط المبكر للتعاقب ضرورة استراتيجية، إذ تُسهم الشركات العائلية بنسبة 60% من الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات. ومع ذلك، فإن 20% فقط من هذه الشركات تستمر حتى الجيل الثالث. وفي هذا الإطار، يرى فيليب ماركوفيسي، المؤلف المشارك لمبادئ الاقتصاد الدائري للشركات العائلية وإدارة الثروة، أن على العائلات تنفيذ خطط تعاقب مبكرة لضمان الاستقرار وطمأنة أصحاب المصلحة. ويعني ذلك أنه على الشركات العائلية أن تستند إلى الخبرة المتعمقة لمؤسسيها في توجيه وتنمية الأعمال وبناء العلاقات مع العملاء، على أن يتم وضع برنامج منسق لتطوير مهارات الأجيال الشابة وتدريبها على تولي الأدوار القيادية تدريجياً. يمتد تأثير رؤساء العائلات الحاليين بشكل متزايد إلى أبعد من مجرد تملّك الإرث العائلي، حيث يؤدون دور الأوصياء على رعاية المؤسسة العائلية وتوجيهها بمرونة نحو المستقبل، بما يتماشى مع رؤية العائلة وقيمها. ويجب عليهم أيضاً ضمان إعداد الجيل القادم ومدّه بالمهارات والمعتقدات والمعارف والتعليم اللازم لقيادة الأعمال العائلية نحو آفاق جديدة.
ويسهم الخبراء الاستشاريون في تنسيق وتسهيل التواصل بين أفراد العائلة ومساعدتهم على تخطيط الإرث. وأظهر أحد الاستطلاعات التي أجرتها مؤسسة «كابجيميني»، أن 65% من الأفراد ذوي الملاءة المالية العالية يواجهون تحيزات تؤثر في عملية صنع القرارات الاستثمارية، والتي تتأثر بتجارب وعوامل حياتية مختلفة مثل الزواج والطلاق والتقاعد. وعبّر 79% من الأفراد ذوي الملاءة المالية العالية عن رغبتهم في قبول الحصول على استشارات متخصصة لمساعدتهم على إدارة ومعالجة التحيز. وبالتالي، بإمكان المستشارين المحترفين الاعتماد على الأدوات المتطورة والمعرفة المتخصصة لمساعدة العملاء، بما في ذلك التمويل السلوكي وأدوات الذكاء الاصطناعي التي يرتكز القرار من خلالها على البيانات بدلاً من العاطفة أو التحيز. ويمكن للمستشارين المستقلين أيضاً اقتراح مجموعة من الخيارات وتوضيح تأثيرها، ما يساعد أعضاء العائلات الثرية على اتخاذ قرارات مستنيرة.
إن موجة الميراث التي يطلق عليها اسم «الانتقال العظيم للثروة» تمثل تحولاً ملحوظاً وفرصة فريدة للعائلات الثرية في الشرق الأوسط، ومع ذلك فهي تتطلب تخطيطاً دقيقاً وفهماً عميقاً للقضايا القانونية والمالية والثقافية التي تحيط بها. ومن خلال الاستفادة من دعم الحكومة والاستشارات المتخصصة التي يقدمها خبراء يتمتعون بالمعرفة المتعمقة في الممارسات العائلية والتعقيدات الإقليمية والخصوصيات الثقافية، يمكن للأفراد ذوي الملاءة المالية العالية تطوير استراتيجية راسخة قادرة على تحقيق التنمية المستدامة للثروة العائلية وخلق إرث دائم للعائلة يمكنه توفير الأمن المالي والفرص للأجيال القادمة.
*الرئيس التنفيذي ل«ميرابو الشرق الأوسط»
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
0 تعليق