نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
رسائل تل أبيب وورقة واشنطن... هل يُدفَع لبنان نحو التطبيع مع إسرائيل؟ - بوابة فكرة وي, اليوم الخميس 3 يوليو 2025 07:00 صباحاً
في ظلّ تصعيد إسرائيلي بلغ ذروته مجددًا على الجبهة اللبنانية، بعد توقّف المواجهة المباشرة مع إيران، خرج وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر بتصريح مفاجئ قال فيه إنّ إسرائيل مهتمّة بتوسيع نطاق الاتفاقات الإبراهيمية، وتعزيز دائرة السلام والتطبيع في المنطقة، محدِّدًا سوريا ولبنان كهدفين مباشرين تضعهما تل أبيب نصب أعينها. غير أنّ ساعر لم يُخفِ الشروط المسبقة، حين شدّد على أن الجولان سيبقى "جزءًا لا يتجزأ من دولة إسرائيل"، على حدّ تعبيره.
وإذا كان الحديث الإسرائيلي عن التطبيع مع سوريا يبدو أكثر اتساقًا مع السياق الإقليمي الراهن، في ضوء مؤشرات عدّة منذ تسلّم النظام الجديد زمام السلطة توحي بوجود ترتيبات تُطبَخ خلف الكواليس، أقله على طريق تحديث اتفاق فضّ الاشتباك الموقّع عام 1974، وهو ما عكسه اللقاء الأخير بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والسوري أحمد الشرع، فإنّ إدراج لبنان في السلّة نفسها أثار علامات استفهام كثيرة، في ظلّ الانقسامات اللبنانية الحادة، والتوازنات الدقيقة المرتبطة بدور المقاومة وسلاحها.
في هذا السياق، فُسِّر تصريح ساعر، من حيث توقيته ومضمونه، على أنه إشارة سياسية محسوبة، لا يمكن فصلها عن المشهد الإقليمي الأشمل، حيث تتصاعد الضغوط الدولية على لبنان، وتحديدًا على حزب الله. فالتصريح لم يصدر في فراغ، بل تزامن مع تحرّك دبلوماسي تقوده واشنطن، التي تنتظر أجوبة رسمية واضحة على الورقة التي قدّمها موفدها توم برّاك للمسؤولين اللبنانيين خلال زيارته الأخيرة، لا سيّما في البند المتعلّق بـ"سحب سلاح حزب الله".
وقد تسرّبت خلال الأيام الماضية معلومات متعدّدة حول مضمون هذه الورقة، التي تمزج بين المطالب الأمنية والسياسية، في طليعتها نزع السلاح، وسط حديث عن جدول زمني "ملزم" لا يتجاوز نهاية العام الحالي، ما يجعلها أقرب إلى "خارطة طريق" لإعادة تشكيل النظام اللبناني بغطاء دولي وإقليمي. فما هي الخيارات الواقعية المطروحة أمام لبنان إزاء كلّ ما سبق، وهل يُدفَع فعليًا نحو التطبيع، ولو تحت الضغط، وفق معادلة "السلام مقابل السلاح"؟.
من حيث المبدأ، يصعب فصل التصريحات الإسرائيلية المتكررة بشأن التطبيع مع لبنان - وإن بدا الأخير ملحقًا بسوريا في هذا الملف - عن الوساطة الأميركية القائمة، أو ما بات يُعرَف إعلاميًا بـ"ورقة برّاك". فثمة من يرى في كلام ساعر امتدادًا للضغط الأميركي، لا مبادرة إسرائيلية مستقلة، في سياق ما يبدو ترتيبًا أميركيًا - إسرائيليًا للمرحلة التي تلت حروب "طوفان الأقصى" في الإقليم.
وفي هذا الإطار، تشكّل "ورقة برّاك"، التي تستند إلى مهمّة المبعوث الأميركي توم برّاك، التعبير العملي عن التغيّر الطارئ على مستوى المقاربة الدولية. فهي تتجاوز العناوين العامة مثل التهدئة، أو الدعوة إلى حوار داخلي بشأن السلاح، لتدخل مباشرة في صلب المطالب، وتدعو إلى نزعه ضمن مهلة قصيرة، مع مطالبة الدولة اللبنانية بإجابات واضحة وخطط تفصيلية، بعيدًا عن المماطلة أو الغموض الذي لطالما طبع هذا الملف.
ولعلّ ما يزيد من حساسية هذه الورقة، أنها لا تكتفي بمطلب نزع السلاح، بل تتوسع لتطال ملفات دقيقة، مثل ترسيم الحدود البرّية، ومصير مزارع شبعا، ولو في إطار "تسوية مؤقتة"، إلى جانب الدعوة إلى تحسين العلاقات اللبنانية - السورية وربط المسارين. وهذا الربط لا يبدو اعتباطيًا، بل يعكس تصورًا أميركيًا - إسرائيليًا محتملاً لمنطقة آمنة تمتدّ من الناقورة إلى الجولان، في ما يُعرف بمرحلة "اليوم التالي".
على الصعيد الداخلي، لم تصدر ردود رسمية على تصريح ساعر، ربّما لاعتباره جزءًا من البروباغندا الإسرائيلية التقليدية. إلا أنّ التركيز الأكبر صبّ على "ورقة برّاك"، حيث تعمل الجهات الرسمية على بلورة ردّ "متوازن"، يأخذ في الحسبان دقة التوازنات اللبنانية. ففي حين يرى بعض المسؤولين أن مسألة سحب السلاح لم تعد خيارًا بل ضرورة وطنية، يدعو آخرون إلى ترتيب الأولويات، بدءًا بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة ووقف خروقاتها المستمرة.
بهذا المعنى، لا يبدو المشهد الداخلي موحّدًا إزاء مضامين الورقة الأميركية، خصوصًا فيما يتعلق بمسألة السلاح، إذ تبدي بعض القوى السياسية، وعلى رأسها حزب القوات اللبنانية، مدعومة بمواقف مماثلة من أطراف معارضة أخرى، إصرارًا على تطبيق فوري لمبدأ نزع السلاح من دون أيّ نقاش، في حين تدفع أطراف أخرى باتجاه مقاربة سياسية تُجنّب لبنان الاصطدام مع المجتمع الدولي، ولكن من دون "التفريط" بنقاط القوة، وبالتالي الانكشاف أمام الإسرائيلي وغيره.
أما حزب الله، الذي يلتزم الصمت إلى حدّ بعيد، فقد عكس المطّلعون على أدبياته موقفًا واضحًا، فهو لا يرفض التطبيع فقط لأسباب مبدئية يدركها القاصي والداني، بل يرفض أي نقاش ينطلق من قاعدة "السلاح مقابل الإغراءات"، ويؤكد تمسكه بمعادلة "المقاومة كضمانة"، مع انفتاح مشروط على نقاش حول استراتيجية دفاعية تُطرح داخل المؤسسات، لا من خلال ضغوط خارجية، وعلى أساس حماية لبنان لا الخضوع لإملاءات.
في ظلّ هذا المناخ، لا يبدو أنّ خيار التطبيع قد تحوّل حتى الآن إلى مسار تفاوضي جدي، وربما لن يتحوّل في المدى المنظور، خصوصًا أنّ الموقف الرسمي اللبناني لا يزال ثابتًا في التأكيد على أنّ لبنان سيكون آخر دولة عربية توقّع اتفاق سلام مع إسرائيل، وهو ما شدّد عليه غالبية من تعاقبوا على السلطة خلال العقود الماضية. ويقوم هذا الموقف على اعتبارات سياسية وتاريخية ومبدئية، لا يُعتقد أنّ المعادلات المستجدة قادرة على تبديله جذريًا.
مع ذلك، هناك من يرى أن مجرّد طرح فكرة التطبيع، حتى بشكل غير مباشر، يعكس تحوّلًا نوعيًا في المقاربة الدولية للملف اللبناني، في إطار منظومة ضغوط متكاملة لإعادة صياغة التوازنات الداخلية، استكمالًا لما بدأ خلال الحرب الأخيرة. فهل تنجح هذه الضغوط في تغيير الموقف المبدئي، أم أن لبنان -رغم أزماته العميقة- سيصمد مجددًا أمام اختبار جديد من اختبارات السيادة؟.
0 تعليق