نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لا يشبهوننا؟ ما العمل؟ - بوابة فكرة وي, اليوم الاثنين 16 ديسمبر 2024 10:53 صباحاً
إن المقالات المنشورة في خانة "مقالات وآراء" في "النشرة" تعبّر عن رأي كاتبها، وقد نشرت بناء على طلبه.
كثر الكلام في الاونة الاخيرة حول الاختلاف والشبه بين اللبنانيين وبالاخص بين جمهور حزبي وباقي اللبنانيين. الملاحظ نمو نزعة عند عدّة أطراف لتأكيد عدم التشابه.
هل بالفعل لا يوجد شبه بين جمهور الاحزاب الايديولجية وباقي اللبنانيين؟
اود ان اشارك هذه الافكار حول الموضوع استنادا على بعض الظواهر ومعطيات العلم.
استنادا الى علم الانتروبولوجيا الذي لا يتعارض مع التعاليم الدينية: يمكن تحديد هوية الانسان الثقافية ضمن دوائر أو مستويات ثلاثة:
- الاول، كل انسان يشبه كل الاخرين، مثلا هو انسان مخلوق وفانٍ، يأكل وينام ويجوع ويعطش، أيضا يحزن ويفرح ويتألم ويمرض ولديه حاجات انسانية وعلائقية وما الى ذلك. فإذن من البديهي انه على مستوى كونهم بشر كل الناس تتشابه.
- الثاني، كل انسان يشبه مجموعة من الاخرين تميّزه عن الباقين. مثلا المستوى الوطني والانتماء الى وطن او مجموعة سياسية او مهنية او طبقة اجتماعية ام رياضية او لغوية. هذه المجموعة من جهة تميّزه عن الاخرين ومن جهة أخرى تربطه بآخرين يتقاسم معهم أرضية مشتركة.
- الثالث، كل انسان هو فريد من نوعه له بصمته وصوته ومواصفاته الخاصة التي تجعله لا يشبه أحد بكل معنى الكلمة.
إنها قاعدة ثلاثيّة الاركان متكاملة ومتداخلة تصلح لمقاربة مسألة الشبه والاختلاف وحسن إدارتهما.
السؤال المطروح كيف يتفاعل هذا الانسان او الجماعة مع مسألة الاختلاف والشبه؟.
في المجتمعات الغربية يبنون كثيرا من خياراتهم وقرارتهم وسياساتهم العامة وقوانينهم على المستوى الاول حيث يتساوى الجميع على قاعدة الحقوق والواجبات. بينما الحياة الاجتماعية مبنية على الثالث فالمواطن الفرد هو اساس البنيان الاجتماعي، أمّا المساحة العامة للمستوى الثاني ضيّقة جدا.
حديثأ، تواجه تلك المجتمعات المتجانسة تحديّات شائكة ناتجة عن توافد مجموعات جديدة إليها -بأكثريتها مهاجرة- تسعى للحفاظ على مساحة من الخصوصية والتمايز الديني والثقافي. فإنقسمت المجتمعات بين معسكرين "يساري" خلفيته هي التماهي الانساني وسياساته رفع أية قيود من المجتمع المضيف ويصنّف التمايز ضمن إحترام حرية الفرد وحقه بالاختلاف، ويعتبر هذا المعسكر إجراءات رسم الحدود نوعا من العنصريّة ومعيقا للاندماج. التيار الثاني وهو ما يدعى "يمينيا" يدعو الى حماية المجتمعات المضيفة من الميول والنزعات "الانفصالية" لتلك المجموعات التي تعرّض النسيج الاجتماعي برمتّه الى التفكك، وتهدد حرية الفرد. التياران لا يقيمان وزنا لواقع تمايز ثقافة المجموعة.
لا بد من الاشارة الى دور العولمة ووسائلها في تعزيز هذا الانقسام. فهي من جهة فرضت نمطية ومساواة بين الجميع دون إستئذان، ومن جهة أخرى وسّعت مدى التمايز الفردي نحو العالمية على سبيل المثال: لاعبو كرة القدم وأبطال الرياضة والاثرياء وقلّة من الكتاب والمغنين وغيرهم. فكانت النتيجة تصاعد الميل الى الدفاع عن الخصوصية والانتماء الى جماعة تحمي الفرد.
إما في لبنان:
إختلافات كثيرة واضحة بين اللبنانيين. هم مجموعات لا تشبه بعضها، في الوقت نفسه هم أحباب وإخوة وأصدقاء من كل المجموعات الطوائفية، وبالوقت عينه كل منهم هو رأس قائم لوحده.
قبل الحروب في لبنان (1975-1991) كان بعض المفكرين والسياسيين يظهرون الخلاف بأنه طبقي أي بين الفقراء والاغنياء. هذه القراءة ناتجة عن صراع معسكري الاتحاد السوفياتي واميركا. ثم تم تحميل الطائفية مسؤولية كل الويلات وصوّروا الخلاص بإلغائها، وهذا تبسيط بعيد عن الواقع، مصدره أنْ لا طائفية بالغرب. بينما اليوم يجري التركيز على الفروقات الدينية، مردّ ذلك لاسباب سياسية اممية أكبر من لبنان.
إشكالية الاعتراف بالشبه والاختلاف في لبنان يتجاذبها ثلاث فرضيات يمثّلها ثلاثة تيارات. الاول ينطلق من المجموعات الاتنو-دينية المتنافرة (أي المستوى الثاني) فقط ويبني ايديولوجياته على استحالة العيش السلمي بينهم، وهذا يغفل المستوى الاول والثالث. وتيار لا يرى الا المستوى الاول وهذا ما يوصل الى نوع من الاتوبية "كلنا متل بعض" وهذا نوع من النكران للواقع ويعيق التغيير والتطوير. المفارقة أن التيارين معهما حق ولديهما الحجج والبراهين المقنعة. أما التيار الثالث لا يقيم وزنا لقيمة الشخص وفرادته ويعتبر تمايز الفرد يهدّد المجموعة. لذلك تحارب المجموعة الشخص الناجح والمتميّز في كل المجالات مما يؤدي الى قمع لكل رأي مخالف وصولا الى التخلص منه، ليس فقط في السياسة إنما حتى في الزواج والحب، والمؤسف أن هذا التيار عابر للطوائف.
لا بد من التوقف عند نقطة اساسية وهي مقاربة الشبه والاختلاف داخل المجموعة المفترض أنها تشبه بعض. فالقواسم المشتركة الكثيرة داخل كل مجموعة طوائفية لم تحمِها من الصراعات التي أوصلت الى الاقتتال الداخلي دون استثناء أي منها ولو بنسبٍ متفاوتة. بالمقابل وسط كل جنون الحروب تلك وجد أشخاص وجماعات حافظت على المحبّة والود والعيش معا في كل المناطق يكفي ذكر المطران سليم غزال والامام موسى الصدر والخوري مكرم قزاح وكثيرون غيرهم من كل الطوائف وكل المناطق، قاموا بأعمال تعتبر بطوليّة، بعضها مدوّن في كتب وبعضها الاخر في الذاكرة. فهؤلاء إنطلقوا من المستوى الانساني الجامع وكانوا علامات تلاقٍ وبرعوا كأفراد بتغريدهم خارج السرب، لكن للاسف خبراتهم لم تشكّل قاعدة غيّرت توجهات المجموعات.
فإذن ليست المشكلة في الشبه والاختلاف بل في ادارة هذه العمليّة وبوجه الخصوص من يأخذ القرار بجعل عدم الشبه والاختلاف في الخيارات أو الثقافة سبب تفجير أم عنصر غنى وتمايز؟.
طبعا ليس الشعب من يقرر! بل بعض القادة، لكن هل هذا يبرّر إعفاء الشعب والجماهير من مسؤوليتهم؟.
تبدأ مسؤولية الشعب عند "ابن العيلة" الذي يسعى ليثبت ذاته وليكون فريدا ومتمايزا وقائدا في عمله ودراسته وقريته... مسؤوليته أن يضيف اليها في وطنه.
يُبنى التغيير عندما يعي الفرد وعائلته دوره في المجتمع ويرسم حدود علاقته بالمجموعة فلا يسمح لها بتدمير حريته وفرادته وحياته. ويسعى الى تقبّل الاخر فالناس المختلفون ليسوا أعداء. بالتوازي الى الحاجة بإنتمائه الى مجموعة تميّزه عن الاخرين وتثبت هويته الطائفية وربما تكون رافعة له.
تحثّنا الاحداث المتتالية على وجوب تطوير نظام الحكم والشراكة في لبنان. يبقى التحدّي الاساسي ان يجد كل الناس وكل مجموعة وكل فرد مكانته في قلب اي نظام. لا يجوز العودة الى التبسيط اللبناني "حبّو بعض" بل علينا العمل معا من أجل إستنباط حلّ مستدام. علينا الاعتراف بحق المجموعات الطوائفيّة في التمايز، لكن لا يجوز لها بناء حصون حول الاختلاف الثقافي والديني، أو تحاول إلغاء المجموعات التي لا تشبهها أو تفرض خياراتها عليها. أصبح الحوار ملحًّا بين النخب في لبنان بعيدا عن الاعلان المرتهن للوصول الى بناء نظام متكامل يستند الى المستويات الثلاثة التي ذكرت. إنطلاقا منها العمل على بلورة مفاهيم ومصطلحات تعكس واقعنا وتكون قاعدة لأيّ تصوّر او نظام من أجل بناء وطن ودولة.
الممر الالزامي هو التوقف عن إختزال الهويّة والثقافة بالانتماء الى طائفة، ومقاربتها برؤية أكثر دينامية وإستشرافيّة.
0 تعليق