نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عبدالرحمن الراجحي.. رحيل رجلٍ ترَك وراءه مؤسّسة وأُسرة تنبض بالعطاء - بوابة فكرة وي, اليوم السبت 5 يوليو 2025 04:59 مساءً
فقد القطاع غير الربحي في المملكة أحد أبرز رواده، الشيخ عبدالرحمن بن صالح الراجحي – رحمه الله – رجلٌ مضى إلى ربه بصمت، تاركًا أثرًا خالدًا، ومدرسةً في العطاء المؤسسي الراسخ، قلّ أن يجود الزمان بمثلها.
رحل الشيخ كما عاش، بعيدًا عن الأضواء، قريبًا من المساكين، حاضرًا في كل ميدان تنموي، وغيابه اليوم لا يعني غياب أثره، بل بداية لحصاد غرسٍ امتد عقودًا. شرفت بالعمل معه عن قرب، منذ اللحظات الأولى لتأسيس “مؤسسة عبدالرحمن بن صالح الراجحي وعائلته الخيرية” عام 2007، وكان ذلك من أشرف ما حملته في مسيرتي.
⸻
جذور أصيلة ونشأة على الكرم
ينتمي الشيخ عبدالرحمن إلى أسرةٍ عُرفت بالبذل والإحسان؛ فهو ابن الشيخ صالح الراجحي – رحمه الله – وأحد أفراد عائلة حملت مشعل العطاء جيلًا بعد جيل، من الشيخ عبدالله، إلى الشيخ محمد، والشيخ سليمان – أطال الله في عمره. بيتٌ تشبّع بالقيم، وتربّى أفراده على أن المال أمانة، والخير مسؤولية، والوقف سبيلٌ للنجاة.
وقد اختار الشيخ عبدالرحمن أن يكون عطاءه مؤسسيًا، مستدامًا، منظمًا، فعكف على تأسيس مؤسسة تحمل اسمه واسم أسرته، وتُدار بمنهجية عالية، تسعى لتمكين الإنسان، وتعظيم الأثر، لا مجرد سدّ الحاجة.
⸻
الأسرة في قلب الرسالة
تميّزت “مؤسسة عبدالرحمن بن صالح الراجحي وعائلته الخيرية” بطابعها العائلي، ليس في الاسم فقط، بل في الممارسة اليومية. فمجلس إدارتها يضم زوجته (أم خالد – حفظها الله) وأبناءه وبناته، الذين نشأوا على يد والدهم في بيئة تنبض بالعطاء. كان يرافقهم في زياراته للمؤسسات الخيرية، ويغرس فيهم حب العطاء منذ الصغر، حتى أصبحوا اليوم امتدادًا لرؤيته.
وقد تولى أبناؤه خالد، وبدر، وتركي، وسعد أدوارًا قيادية داخل المؤسسة، واستكملوا المسيرة بذات الروح والالتزام، وأصبحوا رموزًا فاعلة في تطوير القطاع غير الربحي ومجالسه.
⸻
مؤسسة تُدار بالعقل والضمير
لم يكن الشيخ عبدالرحمن يؤمن بالعشوائية، بل بالحوكمة والاحتراف. فاستقطب للمؤسسة كفاءات من كبرى الشركات الوطنية مثل أرامكو، وسابك، وهيئة المهندسين، وأدار العمل بأنظمة تقنية متقدمة، تُتابع وتُقوّم وتُحسّن.
آمن أن العمل الخيري لا يقل أهمية عن المؤسسات الاقتصادية، بل يفوقها في الأثر، لأنه يغيّر مصائر لا مؤشرات، ويبني إنسانًا لا جدرانًا فقط.
⸻
محطات مشرقة في مسيرة الإنجاز
بين عامي 2007 و2014، كنت شاهدًا على عدد من المبادرات النوعية التي تبنّتها المؤسسة، وشكّلت بصمات واضحة في تطوير العمل الخيري المؤسسي، ومن أبرزها:
• إنشاء كرسي عبدالرحمن الراجحي لتطوير القطاع غير الربحي بجامعة الملك سعود، ليكون منصة علمية تُسهم في بناء السياسات وتطوير الكفاءات.
• إطلاق كرسي “دور المرأة في تنمية المجتمع” في جامعة الملك سعود، دعمًا لتمكين المرأة وتعزيز أثرها المجتمعي.
• تأسيس مركز التميز للمصرفية والتمويل الإسلامي بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، امتدادًا لخبرته كمؤسس في بنك البلاد، ومن أوائل من عملوا في القطاع المصرفي الإسلامي.
• دعم مركز التميز لتطوير القطاع غير الربحي، لتعزيز التميز المؤسسي والممارسات الاحترافية في المنظمات الأهلية.
• تنظيم أول منتدى سعودي متخصص في أفضل الممارسات العالمية في العمل الخيري، مما ساهم في رفع الوعي وتوسيع دائرة التعلّم المؤسسي في القطاع.
• دعم مكتب “مثابة” لأبحاث الحج والعمرة بجامعة أم القرى، والذي أسهم منذ البدايات في تخطيط برنامج “ضيوف الرحمن”.
• إنشاء وقف التحول التقني، الذي يُعد اليوم المالك لشركة التحول التقني، المكرّسة لتمكين القطاع غير الربحي رقميًا.
• رعاية حاضنات الجمعيات الأهلية في الرياض والدمام، بهدف تسريع انطلاقة الجمعيات الناشئة وتفعيل أثرها المحلي.
• تأسيس مكتبة متخصصة في العمل الخيري بمدينة الدمام، وتُعد الأولى من نوعها على مستوى المملكة، في خدمة الباحثين والمهتمين بالقطاع.
• نشر سلسلة من الإصدارات المعرفية المتخصصة في القطاع غير الربحي، والمتاحة عبر الموقع الرسمي للمؤسسة، دعمًا لنشر المعرفة وتوسيع الأثر.
⸻
كلمة وفاء لرجلٍ قلّ مثيله
رحم الله الشيخ عبدالرحمن بن صالح الراجحي، وجعل ما قدمه رفعة له في الدنيا والآخرة. هذه السطور ليست سوى جزء بسيط من الوفاء لرجلٍ عظيم في عطاءه، قليلٍ في حديثه، كثيرٍ في أثره، فأنا أعتبر نفسي خريج جامعة هذه المؤسسة العريقة وتلميذا للشيخ الراحل.ومن باب الوفاء لهذا الرجل ومؤسسته، ولأن الله أكرم وأجود منا، فإني أسأله – عز وجل – أن يتقبل كل ما عملتُه بعد عملي في مؤسسة الشيخ عبدالرحمن الراجحي وعائلته الخيرية، في ميزان حسناته؛ سواء كان ذلك في مجموعة المجدوعي، أو وزارة الصحة، أو وزارة الإسكان، أو المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، أو صندوق دعم الجمعيات، وأخيرًا في وزارة التعليم. وأسأله تعالى أن يجعل كل أثر تحقق سببًا لرفعته ودرجاته في جنات النعيم.، كان قليل الكلام، عميق الأثر، واسع الحلم، بصيرًا بسنن العمل والتأثير. لم يكن يسعى إلى الظهور، بل إلى أن يترك بصمة تبقى بعده، ويكفيه أن مؤسسته اليوم حيّة، فاعلة، تنبض بما غرس.
وأشهد – بامتنان لا يُوصف – أن تلك التجربة كانت نعمة إنسانية عظيمة، ودرسًا عمليًا لا يُنسى. فقد تعلّمت من الشيخ، دون كثير حديث، أن العطاء ليس فعلًا موسميًا، بل أسلوب حياة، وأن الأثر الحقيقي لا يُقاس بما يُقال، بل بما يُنجز بصمت، ويُبذل بإخلاص. ومن يومها، ظل ما بعد تلك المرحلة امتدادًا روحيًا وفكريًا لمسارٍ تعلّمت فيه أين يُبذل الجهد، وكيف يُزرع الخير، ومتى يُصان الأثر.
وأخيرًا، أدعو أبناءه الكرام والقائمين على المؤسسة أن يوثّقوا هذه التجربة، وأن تُنشر سيرة الشيخ، لا كمجرد رجل أعطى، بل كقائدٍ بنى نموذجًا، ورحل وهو مطمئنٌ أن الخير سيبقى ما بقي الإيمان به.
0 تعليق