نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الكشفية… عربية الجذور والمصادر - بوابة فكرة وي, اليوم السبت 5 يوليو 2025 04:59 مساءً
في عام 1964، أصدر المكتب الكشفي العربي كتاباً بعنوان “الحركة الكشفية عربية الأصول والمصادر”، من تأليف فضيلة الشيخ الدكتور أحمد الشرباصي، الأستاذ بالأزهر الشريف، وبتقديم من الأستاذ محمد علي حافظ، نائب وزير التربية والتعليم في جمهورية مصر العربية ومدير المكتب الكشفي العربي -آنذاك-.
جاء الكتاب في مرحلة كانت كثير من الدول العربية تتبنى الأنظمة الكشفية الحديثة المستوردة من الغرب، وتسعى لمواءمتها مع مجتمعاتها، دون أن تلتفت إلى حقيقة أن هذه القيم والممارسات التربوية، التي تُعدّ اليوم من ركائز الحركة الكشفية، إنما هي في جوهرها امتداد أصيل لروح الحياة العربية القديمة، وأننا – كعرب – لم نكن غرباء عن تلك المبادئ يوماً (ما)، بل كنا أهلها ومبتدعيها.
فقد أنطلق المؤلف في كتابه من تأكيد أن “الكشافة” نظام تربوي متكامل، يهدف إلى بناء الإنسان من حيث العقل والروح والجسم، ويعزز فيه الاعتماد على النفس، والصدق، والانضباط، والقدرة على ملاحظة الطبيعة، والتعامل معها، وخدمة الآخرين؛ وهي كلها صفات تجذرها في الشخصية العربية عبر التاريخ، واضح وجلي.
لقد عاش العربي – كما يصف الكتاب – حياةً كشفية بطبيعتها: ينصب خيمته، ويجمع زاده بيده، ويعيش في الصحراء متابعاً حركة النجوم والغيوم، متتبعاً آثار المطر، منقباً عن الماء والكلأ، مرهفاً في ملاحظته للحيوان والنبات، شجاعاً كريماً، يعتمد على نفسه، ويحب المغامرة والتجربة، ويحمي قومه ووطنه، أليست هذه، في جوهرها، المبادئ ذاتها التي تنادي بها الحركة الكشفية الحديثة؟
إن أهمية هذا الكتاب لا تكمن في مجرد التوثيق التاريخي، بل في كونه دعوة واعية لإعادة صياغة الشخصية الكشفية العربية، انطلاقاً من بيئتنا وقيمنا وتقاليدنا، دون أن ننفصل عن التطور الكشفي العالمي؛ فالعالم اليوم أكثر انفتاحاً على النماذج المحلية الأصيلة، وأكثر تعطشاً للأنظمة التربوية التي تصنع الإنسان، لا الفرد المنتج فقط.
من هنا، فإن الواجب الذي يقع على عاتق المؤسسات الكشفية العربية في هذا الزمن، هو تطوير نظامنا الكشفي بما يتوافق مع قيمنا وهويتنا العربية والإسلامية، دون التفريط في القيم العالمية الجميلة التي يحملها هذا النظام، كالإخاء، والتعاون، والسلام، وحب الطبيعة، وخدمة الآخرين.
إننا، في ظل ما يشهده عالمنا العربي من صحوة حضارية وثقافية وتربوية، بحاجة إلى أن يكون لنا التفرد في التأثير الكشفي على الأجيال الحالية والمستقبلية، لا باعتبارنا متلقين لأنظمة جاهزة، بل باعتبارنا شركاء في صناعة القيم الكشفية، بل وأصحاب أصل فيها.
لقد أخذ الغرب من تراثنا العربي ما صاغه على هيئة نظام كشفي، وأضاف عليه من ثقافته، ونحن – بكل أسف – عدنا فاقتبسنا منهم ما هو في حقيقته بضاعتنا ردت إلينا؛ آن الأوان أن نعيد التذكير بأن “الكشفية” في جوهرها ليست غريبة عن بيئتنا، بل خرجت من أصالتنا، وآن لنا أن نقودها من جديد، من منطلق الاعتزاز بالهوية، والقدرة على التطوير، والمسؤولية تجاه أبنائنا.
إن الدعوة التي أطلقها كتاب “الحركة الكشفية عربية الأصول والمصادر” قبل أكثر من ستين عاماً، لا تزال صالحة اليوم، بل أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى؛ فبينما تبحث شعوب العالم عن أنظمة تربوية تعيد الإنسان إلى طبيعته، وتصالحه مع نفسه ومجتمعه وبيئته، فإن الكشفية العربية تمتلك هذا الكنز، بكل ما فيه من روح الفطرة، والنقاء، والبساطة، والكرامة، والكرم، والتعاون، والعدل، والسلام.
فلتكن كشفية اليوم… عربية الجوهر، إنسانية الروح، عالمية التأثير.
مبارك بن عوض الدوسري
@mawdd3
0 تعليق