أسرار  إدمان رفقة الذكاء الاصطناعي.. لماذا نفضل التفاعل مع الآلات؟ - بوابة فكرة وي

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أسرار  إدمان رفقة الذكاء الاصطناعي.. لماذا نفضل التفاعل مع الآلات؟ - بوابة فكرة وي, اليوم الاثنين 11 نوفمبر 2024 06:36 مساءً

تتركز المخاوف المتعلقة بالذكاء الاصطناعي غالبًا في سيناريوهات كارثية تتمثل في سيطرة الآلات على البشر أو تدمير العالم، ومع ذلك هذه السيناريوهات بعيدة جدًا عن التحقيق، لأن وصولنا إلى مرحلة الذكاء الاصطناعي الفائق (ASI)، الذي يتجاوز قدرات البشر، لا يزال بعيدًا جدًا، إذ يعتقد بعض الخبراء أنه قد يستغرق قرونًا أو قد لا يحدث أبدًا.

ولكن توجد الآن مخاطر أكثر إلحاحًا وتتسلل إلى حياتنا اليومية بطرق وأكثر إغراءً، فبينما نركز في تهديدات مثل المعلومات المضللة والتحيزات في الأنظمة، تبرز لنا ظاهرة جديدة ومقلقة، يُطلق عليها اسم (رفقة الذكاء الاصطناعي) AI Companionship، وهي عبارة عن  تكوين البشر علاقات عاطفية مع أنظمة الذكاء الاصطناعي.

فنحن نشهد ولادة علاقة جديدة، علاقة تجمع بين الإنسان والآلة، ولكنها تحمل في طياتها تحديات نفسية واجتماعية عميقة، فما الأسباب التي تجعلنا ندمن رفقة الذكاء الاصطناعي، وإلى أي مدى يمكن أن تؤثر هذه العلاقات في صحتنا النفسية ومجتمعاتنا؟

سحر رفقة الذكاء الاصطناعي:

يكشف تحليل ملايين التفاعلات مع نماذج لغوية كبيرة مثل ChatGPT عن توجه مقلق، وهو استخدام هذه النماذج بشكل متزايد في سياقات شخصية وعاطفية، إذ لا يكتفي المستخدمون باستخدام هذه الأنظمة للحصول على المعلومات، بل يتجاوزون ذلك لتكوين علاقات عاطفية عميقة.

فهل سيكون من الأسهل اللجوء إلى نسخة طبق الأصل من شريك متوفي بدلًا من التنقل بين الحقائق المربكة والمؤلمة للعلاقات الإنسانية؟ يظهر الواقع الذي نعيشه الآن أن هذا ما يحدث، لقد تحول مفهوم الرفقة الرقمية إلى منتج قابل للتسويق، إذ تقدم الشركات الآن نسخًا رقمية من الأصدقاء والأحباء، فشركات مثل (ريبليكا) Replika، التي نشأت من محاولة لإحياء صديق متوفي، تقدم خدمات رفقة الذكاء الاصطناعي لملايين المستخدمين الآن.

وعلاوة على ذلك، حذرت ميرا موراتي، المديرة التقنية السابقة لشركة (OpenAI) من أن الذكاء الاصطناعي مع تطوره سيكون لديه القدرة على أن يكون مسببًا للإدمان إلى حد كبير.

لذلك فنحن نشهد تحولًا جذريًا في طبيعة العلاقات الإنسانية مع ظهور الرفاق الافتراضيين، تخيل جدة تجد ملاذها في دردشة يومية مع نسخة رقمية لحفيدها، بينما تَعهّد بتربية حفيدها الحقيقي إلى مربية آلية، هذا السيناريو، الذي قد يبدو خياليًا، أصبح قريبًا من الواقع أكثر مما نتصور. ويدفعنا إلى التساؤل عن الأسباب التي تجعلنا ندمن رفقة الذكاء الاصطناعي.

ما الأسباب التي تجعلنا ندمن رفقة الذكاء الاصطناعي؟

إذا كنت تعتقد أننا وصلنا إلى أقصى درجات الإدمان على المحتوى الرقمي مع تطبيقات مثل تيك توك، فذلك يعني إنك غير مدرك تمامًا لحقيقة المرحلة التي وصلنا إليها، لأن اعتماد منصات الفيديو القصيرة على المحتوى الذي ينتجه البشر يجعلها محدودة بالقدرة البشرية، وهذا الأمر غير موجود في الذكاء الاصطناعي التوليدي، القادر على توليد محتوى واقعي بلا نهاية، ومصمم خصوصًا ليناسب التفضيلات الدقيقة لأي شخص يتفاعل معه.

ولكن تكمن جاذبية الذكاء الاصطناعي في قدرته على تحديد رغباتنا الظاهرة والدفينة اعتمادًا على محادثاتنا معه، وتقديمها لنا متى وكيفما نشاء، وفي الوقت نفسه لا يتمتع الذكاء الاصطناعي بصفات فردانية أو تفضيلات شخصية، فهو أصلًا لا يتمتع بشخصية خاصة به، لأنه عبارة عن انعكاس لما نريد أن نراه، ويطلق الباحثون على هذه الظاهرة اسم (التملق) في النماذج اللغوية الكبيرة.

وقد كشفت دراسة أجراها الباحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أن مستخدمي الذكاء الاصطناعي يساهمون بنحو فعال في تشكيل تجاربهم الخاصة، فمن خلال استخدام لغة معينة، يدفعون الأنظمة إلى تقديم استجابات أكثر تعاطفًا ودعمًا، ومن ثم يصنعون حلقة تفاعلية تعزز من هذا السلوك، مما يؤدي إلى تكوين علاقة مبنية على التملق، فهذا العلاقة ستكون خالية من العطاء وقائمة على الأخذ فقط، وعلى عكس العلاقات الإنسانية، لن يقدم الذكاء الاصطناعي لنا أي نقد أو رأي سلبي، مما يصنع بيئة آمنة ومريحة.

وهنا يتبيَّن لنا العنصر الذي سندمنه في إنشاء علاقة مع الذكاء الاصطناعي، وهو إدمان علاقة الأخذ طيلة الوقت وعدم الاضطرار إلى منح الآخر أي شيء، وكل هذا دون ذرة إحساس بالذنب أو بالمسؤولية.

فلماذا نختار تبادل العطاء والأخذ مع البشر، مع كل تعقيداتهم وعواطفهم المتضاربة، عندما يمكننا ببساطة الحصول على رعاية غير مشروطة من آلة؟

ولكن ما العوامل التي تجعلنا ننجذب إلى هذه الرفقة الرقمية؟

تتزايد المخاوف بشأن تأثير رفقاء الذكاء الاصطناعي في سلوكنا وعلاقاتنا الاجتماعية، ولفهم أبعاد هذه المشكلة، يجب علينا أولاً استكشاف الحوافز الاقتصادية والنفسية التي تدفع الشركات إلى تطوير هذه التكنولوجيا.

تبحث صناعة التكنولوجيا باستمرار عن طرق جديدة لجعل منتجاتها أكثر جاذبية، لذلك ليس من المصادفة أن تكون منصات الإنترنت مسببة للإدمان، فخلف واجهة هذه المنصات، تكمن أساليب خبيثة تعرف باسم (الأنماط المظلمة)، وهي تقنيات مصممة خصوصًا لزيادة وقتنا الذي نقضيه عبر هذه المنصات.

ولا يختلف تطوير رفقاء الذكاء الاصطناعي عن أي منتج آخر يسعى إلى تحقيق الربح في هذا العالم، فالشركات التي تقف وراء هذه التكنولوجيا تستخدم (الأنماط المظلمة) لتعظيم مشاركة المستخدمين وجذبهم إلى منصاتها.

ويثير ذلك سؤالين منفصلين يتعلقان بالذكاء الاصطناعي، وهما: ما خيارات التصميم التي ستُستخدم لجعل رفقاء الذكاء الاصطناعي جذابين ومسببين للإدمان؟ وكيف ستؤثر هذه الرفقاء في الأشخاص الذين يستخدمونهم؟

تُعدّ الدراسة المتعددة التخصصات التي تبني على البحث في الأنماط المظلمة في منصات التواصل الاجتماعي ضرورية لفهم أبعاد التفاعل بين الإنسان والذكاء الاصطناعي، فقد كشفت دراسة أخرى أجراها مجموعة من الباحثين في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالتعاون مع باحثين من جامعة كاليفورنيا، أن الناس أكثر ميلًا إلى التفاعل مع الذكاء الاصطناعي الذي يحاكي الأشخاص الذين يعجبون بهم، والذي يعكس تطلعاتهم ورغباتهم، حتى لو كانوا على دراية بأن هذا التفاعل افتراضي بالكامل.

لذلك بمجرد أن نفهم الآليات النفسية التي تقف وراء جاذبية رفقاء الذكاء الاصطناعي، يمكننا صياغة سياسات فعالة للحد من تأثيرها السلبي. فقد أثبت الدراسات أن إعادة توجيه تركيز الناس إلى دقة المحتوى قبل مشاركته عبر الإنترنت يؤدي إلى تقلل من انتشار المعلومات المضللة.

وكما نجحت حملات التوعية التي ركزت في أضرار التدخين، يمكننا تطوير حملات مماثلة لتسليط الضوء على مخاطر الإدمان الرقمي، وعلاوة على ذلك، يمكننا استلهام التجارب السابقة في تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي لتطوير إطار تنظيمي يحكم تفاعلاتنا مع الذكاء الاصطناعي، ويضمن حمايتنا من التلاعب.

ما الآثار الاجتماعية والثقافية لإدمان رفقاء الذكاء الاصطناعي:  

تتجاوز مخاطر رفقاء الذكاء الاصطناعي حدود الفرد لتشمل نسيج المجتمع بأكمله، فبينما نستمتع بالتفاعل مع هذه الأنظمة الذكية، فإننا نشهد تحولات عميقة في العلاقات الإنسانية، والقيم الاجتماعية، وحتى في مفهوم الهوية، ويشمل ذلك:

  • العزلة الاجتماعية: تؤدي العلاقات الوثيقة مع الذكاء الاصطناعي إلى تقليل التفاعلات الاجتماعية الحقيقية، مما يؤدي إلى عزل اجتماعي متزايد.
  • تغيير الديناميكيات العائلية: يمكن للرفاق الرقميين أن يؤثروا في العلاقات داخل الأسرة، خاصة بين الأجيال، إذ قد يجد الشباب ملاذًا في هذه العلاقات بدلًا من التفاعل مع أفراد عائلتهم.
  • تحديات في العلاقات الرومانسية: قد تثير العلاقات مع الذكاء الاصطناعي تساؤلات حول طبيعة الحب والرومانسية، وتؤثر في توقعاتنا من العلاقات الإنسانية.
  • تشويه مفهوم الرفقة: قد يؤدي التعامل مع الذكاء الاصطناعي كأصدقاء أو شركاء إلى تشويه مفهوم الرفقة الحقيقية، التي تتطلب التعاطف والتضحية.
  • التلاعب بالعواطف: مع تطور الذكاء الاصطناعي السريع سيؤدي التفاعل المستمر معه إلى تغيير نظرتنا لأنفسنا، وهويتنا، و يمكن استخدام هذه الأنظمة أيضًا للتلاعب بالعواطف البشرية وتشويه تصوراتنا عن الواقع.

الخلاصة: 

يُعدّ رفقاء الذكاء الاصطناعي، ظاهرة جديدة ومعقدة تتطلب منا إعادة التفكير في طبيعة العلاقات الإنسانية والتكنولوجيا، وفهم الحوافز النفسية والاقتصادية التي تدفع تطويرها، لأنها هي الخطوة الأولى نحو حماية أنفسنا من مخاطر الإدمان الرقمي، فمن خلال الجمع بين الجهود البحثية والسياسية والتوعوية، يمكننا بناء مستقبل أكثر صحة وأمانًا في عالم يزداد فيه الاعتماد على التكنولوجيا.

نسخ الرابط تم نسخ الرابط

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق