… «الغَزْوَنة» أو «السَوْرنة». معادلةٌ قاسيةٌ بدا أن لبنان وُضع «بين ناريْها» في الساعاتِ الماضيةِ وفي الطريقِ إلى وَقْفِ نارٍ لابدّ آتٍ وتسعى تل أبيب إلى أن تكون المرحلةُ الأخيرةُ الفاصلة عنه «مغمّسةً بالدم» وبأفْظع الضرباتِ لضمان اتفاقٍ بشروطها، هي التي باتت «تأْمَن» لعودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 يناير، وصار رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بمثابة «الرجل الذي لم يعُد لديه ما يخسره».
وعلى وقع ارتدادات «زلزال» أمر الاعتقال بحقه من المحكمة الجنائية الدولية ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، أعطى رئيس الوزراء إشاراتٍ بالغة الخطورة حيال ما يَنتظر «بلاد الأرز» في الأمتار الأكثر وعورةً من مفاوضاتِ وقْف النار وما يَتعيّن على عواصم القرار في العالم، بما في ذلك واشنطن، أن تنتظر منه في الفترة الانتقالية أميركياً.
فمن المواجهات البرية الضارية التي وصلت معها إلى مشارف نهر الليطاني من جهة ديرميماس (القطاع الشرقي)، ولامَسَتْ البحر في القطاع الغربي حيث تقترب من محاصرة بلدة الناقورة بعد عزْلها وفصْلها عن صور، مروراً بعودة الغارات إلى قلب العاصمة بيروت مع محاولة اغتيال مَن وُصف في تل أبيب بأنه عضو المجلس الجهادي وبمثابة «رئيس أركان» حزب الله وعقله الأمني الإستراتيجي محمد حيدر، وليس انتهاءً بالاستهدفات المروّعة وعلى مدار النهار والليل للضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب والبقاع الذي أدماه الطيران الحربي… شريطٌ من مجازر متنقّلة حصدتْ عشرات الضحايا وبينهم كوادر طبية، كما حصل في دورس حيث استهدفت غارة المدير العام لمستشفى دار الأمل علي علام في منزله القريب حيث سقط ومعه 6 أشخاص بينهم أطباء.
ومن قلْب دخان الحرائق والأبنية التي تحوّلت ركاماً في ثوانٍ ولا سيما في الضاحية الجنوبية، والضرباتِ التي لا تقلّ تَوَحُّشاً على صور، القضاء والمدينة، وأكثرها إيلاماً استهداف شخصين (ذكرت وسائل إعلام محلية أنهما صيادان) كانا على شاطئ البحر سُمعت صرخات استغاثتهما في أشرطةٍ تناقلْتها مواقع التواصل الاجتماعي قبل أن يُعلن أنها قضيا وُجرح معها 3 آخرين، والتقارير التي لم تعُد تتسع لعدد ضحايا الغارات في البقاع وبينهم نساء وأطفال (سقطت عائلة مؤلفة من أمّ وأربعة أولاد معاً بغارة على منزل في شمسطار)، ارتسمتْ ملامح «اليوم التالي» لعدم نجاح مهمة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين في إبرام اتفاق لوقف النار خلال جولته على بيروت وتل أبيب، والذي يَشي بأنه سيكون مُدَجَّجاً بأقسى ما يخبئه نتنياهو بمواجهةِ «حزب الله» ومن خلْفه إيران.
ففي الوقت الذي سلّمت طهران بمرونةٍ في التفاوض وسقْفه (انسحاب حزب الله من جنوب الليطاني) من دون «الاستسلام» لشروط نتنياهو كما هي، يسعى الأخير بحسب أوساط سياسية إلى وضْع الحزب ومعه لبنان برمّته بين «فكي كماشة»: إما نموذج غزة، الذي سبق لنتنياهو أن لوّح به بالفم الملآن في الشريط الذي خاطب من خلاله الشعب اللبناني ودعاه لـ «تحرير بلده من حزب الله»، وإما نموذج سورية وتحديداً في الشق المتعلق بالحصول على «ضوء أخضر دائم» يتيح له حرية الحركة والتصرف في لبنان ضدّ أي تهديد وشيك أو في طور التشكُّل من الحزب، على شكل دخول سلاح أو إقامة منشآت عسكرية أو غيرها، ما لم تعالجه لجنة الإشراف على تنفيذ الاتفاق والقرار 1701.
وفي حين كانت قراءاتٌ في خفايا التصعيد الأعنف لإسرائيل تجاه لبنان بعد مغادرة هوكشتاين، تل أبيب، تتقاطع عند أن نتنياهو يوجّه رسائل ضغط بالنار، بأنه غير مستعجل على اتفاقٍ لا يلبي شروطه «الإستراتيجية» وذلك أياً يكن التقدم الذي سُجل في مسار التفاوض الشائك، فإنّ ما تردّد عن أنه يضع «فيتو» على إشراك فرنسا في لجنة الرقابة على تنفيذ الـ 1701 وموجبات الاتفاق، ربطاً بالتوترات المتراكمة بينه وبين باريس، اعتُبر في إطار ليس فقط الردّ على رفْض لبنان إدخال ألمانيا والتحفظ على بريطانيا، بل أيضاً تعبيراً عن إشارة بأنه «على مقاعد القرار» في ما خصّ نقاطا رئيسية في «آلية الإشراف» على وقف الحرب «لمرة واحد وأخيرة».
وإذ تم التعاطي مع السعي لإقصاء باريس عن اللجنة، والذي قد يقابله لبنان بمرونة أكبر بإزاء بريطانيا وربما إصرار على إشراك دولة عربية، كان لافتاً اتصال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن بنظيره الإسرائيلي يسرائيل كاتس وتأكيده «أهمية ضمان سلامة وأمن القوات المسلحة اللبنانية وقوة اليونيفيل، مكرراً التزام واشنطن بالتوصل إلى حل ديبلوماسي يسمح للمدنيين بالعودة بأمان إلى منازلهم على جانبي الحدود».
ولم يقلّ دلالةَ إعلان وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أن «الجيش ضرب 70 في المئة من قدرات حزب الله الصاروخية»، مؤكداً أن «تطبيق الاتفاق مع لبنان أهمّ من الاتفاق في ذاته».
وفي غضون ذلك، رسم الميدانُ لوحة «بأحمر» النار والدم…
– المجزرة المروعة في قلب بيروت وتحديداً في شارع المأمون بمنطقة البسطا حيث دمّر الطيران الإسرائيلي بالكامل مبنى سكنياً، بخمسة صواريخ خارقة للتحصينات ما أدى في حصيلة أولية الى أكثر من 16 ضحية و63 جريحاً ودماراً هائلاً في الشارع (طال 5 أبنية أخرى) حيث «فُتحت» فجوة بعمق لا يقل عن 8 أمتار.
وتحدثت مصادر عدة في إسرائيل عن أن المستهدَف في الغارة، هو القيادي في «حزب الله» محمد حيدر.
على أن الحزب نفى أن يكون أي قيادي في الحزب موجوداً في موقع غارة البسطا، في حين أفيد في تل أبيب عن أن عملية اغتيال حيدر لم تنجح.
– الوقائع الميدانية على صعيد المواجهات البرية، حيث شهد القطاع الغربي قتالاً طاحناً، خصوصاً على تخوم منطقتي البياضة ووادي حامول، وسط تقارير عن تقدّم إسرائيلي في سياق التوغّل للالتفاف على بلدة الناقورة والتمركز في البياضة، كونها موقعاً إستراتيجياً كاشفاً للساحل الممتد بين الناقورة وصور.
وإذ أفادت التقارير أن قوات إسرائيلية سيطرتْ على جزء من البياضة في موازاة معارك ضارية على أطراف بلدة الناقورة، لم تقلّ المواجهات في القطاع الشرقي التهاباً ولا سيما في محيط بلدة الخيام وداخلها خصوصاً غداة التقدم الإسرائيلي اللافت على مثلث دير ميماس والقليعة وكفركلا.
واعتُبرت أي سيطرة كاملة على الخيام، التي ترتفع نحو 950 متراً عن سطح البحر، بمثابة سيطرة على القطاع الشرقي للجنوب وصولاً إلى سهل بلدة حولا مع إمكان قطع طريق البقاع (شرقاً) الذي تعتبره إسرائيل محور إمداد مهماً لحزب الله.
وفي سياق متصل، تشي وقائع ميدانية باستعدادات إسرائيلية لهجوم كبير لمحاولة السيطرة على بلدة بنت جبيل (القطاع الأوسط)، مع ما قد يعنيه ذلك من إمساك بمنطقة ذات رمزية معنوية كبيرة هي التي أعلن منها الأمين العام السالبق لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله عقب تحرير العام 2000 أن إسرائيل «أوهن من بيت العنكبوت».
0 تعليق