عاجل

ظاهرة "طوطو".. هل نُربي جيلاً جديدا لتمجيد الصعلكة!؟ - بوابة فكرة وي

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ظاهرة "طوطو".. هل نُربي جيلاً جديدا لتمجيد الصعلكة!؟ - بوابة فكرة وي, اليوم الأربعاء 9 يوليو 2025 12:25 مساءً

في مساء صاخب من أماسي مهرجان "موازين"، انتصب مغني الراب المغربي طه فحصي، المعروف بلقبه الفني "طوطو"، على خشبة المسرح وأمام عشرات الآلاف من المتفرجين اليافعين، وهو يرتدي صدرية طُبعت عليها كلمة نابية وصادمة بكل المقاييس: "selgout". لم يكن الموقف عابرًا، ولم يكن الحدث مجرد زلة لسان أو لحظة غضب انفعالية يمكن تجاوزها، بل كان عرضًا صريحًا ومقصودًا لكلمة تُعد من أحط مفردات الشارع المغربي، لفظًا ودلالة، تُعرض على الملأ في مهرجان يُموَّل من المال العام، ويُتابَع من قِبل عائلات، مراهقين، وشباب في مقتبل التكوين الهوياتي والثقافي.

في الدارجة المغربية، تُستخدم هذه الكلمة كشتيمة ثقيلة، تحقيرية، ترمز إلى الشخص «الذي فقد حياءه، وتخلّى عن إنسانيته، وأصبح يتصرف بدون أي اعتبار لأعراف المجتمع أو مبادئ الأخلاق. قد يُستعمل المفهوم كذلك لوصف من "تسطى"، أي خرج عن طور العقلانية والتوازن. إنها كلمة ثقيلة الوقع، تُتداول في أوساط الهامش والشارع لا في محافل الفن أو الثقافة. ولعل خطورتها تكمن في أنها تُجرد الإنسان من احترامه لذاته قبل أن تُسقطه من أعين الآخرين.

فهل ما قام به طوطو كان جلدا ذاتيا ورسالة مقصودة؟ وهل تم توظيف هذه الكلمة الصادمة بغرض "الصراخ والانتفاض الفني" في وجه التقاليد؟ أم أن ما حدث لا يعدو أن يكون تجليًا «لانحدار أخلاقي يُروَّج على أنه تمرد مشروع؟»

حين نحلل شخصية "طوطو" الفنية ومساره، نجد أنه لا يقدم نفسه كمجرد فنان، بل كأسلوب حياة. يظهر في الإعلام، يُدافع عن تعاطي الحشيش، يُهاجم منتقديه بشتائم طائشة، يتحدّث عن "الحرية" دون قيد أو خط أحمر. إن هذا السلوك لا يمكن فصله عن المشهد الأكبر: «تحول بعض الرابورز إلى أيقونات شبابية»، ليس بفعل جودة الفن أو عمق النصوص، بل بفعل «الاستعراض والتطبيع مع الانحراف اللفظي والسلوكي».

ومهرجان "موازين" في حد ذاته، كحدث ممول من المال العمومي، بات يُطرح على منظميه سؤال محرج: هل من المقبول أن تُفتح أبواب منصة رسمية لفنان يرفع راية "التسلكيط" رمزًا وهُوية؟ ألا يُعد ذلك تشجيعًا غير مباشر على ازدراء القيم المغربية، وعلى إشاعة قاموس لغوي معتوه في أذهان شباب يبحث عن قدوة أو لغة جميلة وراقية يعبر بها عن ذاته؟

المفارقة أن المشهد لم يمرّ في فراغ، فقد شاهد آلاف اليافعين والشابات والشبان غرافيتي الكلمة مطبوعة على صدر نجمهم، تُغنّى وتُصفّق لها الجماهير. هنا تتحول الكلمة من شتيمة إلى «علامة تجارية»، من سلوك منبوذ إلى «نمط حياة عصري»، من انحراف إلى «أسلوب تعبيري يُسوَّق عبر المنصات الرقمية». في هذا السياق، لا عجب أن يتحدث شباب اليوم عن "التسلكيط" لا بوصفه خطرًا أخلاقيًا، بل بوصفه نوعًا من الجرأة والتحرر، وهو ما يُجسد أخطر ما يمكن أن يصيب المجتمع: «فقدان البوصلة القيمية».

في الحقيقة، "طوطو" ليس إلا «نتيجة لتراكمات إعلامية وتعليمية وثقافية وفنية»، سكتت طويلًا عن الانحرافات، ورفعت شعار "التسامح" في وجه التجاوز الأخرق، حتى أصبح "التطبيع مع الانحلال" نوعًا من الليبرالية المزيفة. نحن إذن أمام جيل يستهلك الفن كما يُستهلك مشروب الطاقة، دون أي معيار للجودة أو القيمة أو الأثر. وللأسف، كثير من المؤسسات، من الإعلام إلى التعليم، تركت الشباب في مهبّ "النجومية السطحية" و"الانبهار المجاني".

ومما لاشك فيه إن الفن، في جوهره، تمرّد نبيل، لكنه ليس تمرّدًا على الأخلاق، بل على القبح، ليس تمردًا على القيم، بل على الرداءة. أما ما نراه اليوم في بعض نماذج الراب المغربي، فهو تمرد «من دون مشروع، ومن دون وعي، ومن دون شرف». إنه تمرد يردم الجسور بدل أن يبنيها. يشجع على العنف اللفظي بدل أن يفتح أفق التعبير. يُعلي من شأن السفاهة بدل أن يرفع من مستوى الذائقة الجماعية.

فهل من الضروري أن نقبل بـ"نموذج طوطو" على أنه الواقع الوحيد الممكن؟

قطعًا لا. الراب المغربي غني بأصوات عاقلة، غاضبة أحيانًا نعم، لكنها لا تُفرّط في احترام المجتمع. هناك من يستعمل الراب لقول الحقيقة، لا لبث الشتائم والكلام الساقط. وهناك من يُعرّي الفساد، لا ليُسوّق الحشيش والانحلال الخلقي. «المشكل ليس في الفن، بل في من يُقدَّم كقدوة باسم الفن.»

وفي النهاية، تبقى كلمة "selgout" "صعلوك" أكثر من مجرد لفظ. إنها رمز. لكنها ليست رمزًا للحرية أو التمرد كما يُراد لها أن تُفهم، بل «رمز لانهيار تدريجي في سلّم القيم حين يغيب الردع، ويُفرَغ الفن من معناه، وتُسَوَّق القذارة على أنها ثورة».

فهل ننتظر أن يُطبع على القمصان القادمة كلمات أقبح من سابقتها ؟ أم نقرر أخيرًا أن نُعيد تعريف الفن، القيم، والقدوة؟ ونفتح نقاشات جادة وهادفة حول أعطاب بعض المهرجانات الفنية بالمغرب.

الكرة الآن في ملعبنا جميعًا.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق